تصنيفات ائتمانية سعودية مرتفعة- ثقة دولية، استثمارات واعدة، ونفوذ سياسي متزايد
المؤلف: محمد مفتي09.29.2025

تسعى دول العالم جاهدة نحو تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، ويعد التصنيف الائتماني للدول من أهم المؤشرات التي تعكس سلامة وقوة اقتصادها. تتولى هذه المهمة على الصعيد العالمي ثلاث مؤسسات مرموقة، هي "موديز"، و"ستاندرد آند بورز"، و"فيتش ريتينجز". على الرغم من استقلالية هذه المؤسسات واختلاف آليات عملها، إلا أن تقييماتها تتسم بالانسجام والتوافق، مما يعكس بدقة الوضع الاقتصادي للدول، وقدرتها على إدارة مواردها بكفاءة، وحجم استثماراتها الداخلية والخارجية. فالدول ذات التصنيف الائتماني المرتفع تحظى بثقة واهتمام المجتمع الدولي، ما يعد أمراً بالغ الأهمية.
وعلى الصعيد المحلي، تمتلك بعض الدول، بما فيها المملكة العربية السعودية، مؤسسات وطنية معنية بالتصنيف الائتماني للأفراد والمؤسسات. فالتصنيف الائتماني المتدني للفرد يفقده الثقة المالية، ويحرمه من الحصول على القروض البنكية، والشراء بالتقسيط، والمشاركة في المناقصات العامة والمشاريع الاستثمارية، نظراً لعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية وسداد الديون.
وعلى المستوى الدولي، يلعب التصنيف الائتماني الصادر عن المؤسسات الثلاث الكبرى دوراً محورياً في تشجيع أو تثبيط الدول عن التعامل مع دولة معينة، سواء من خلال منحها القروض أو الفرص الاستثمارية. ويعد التصنيف "A+" الأعلى، ويعكس قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها وتقليل المخاطر الائتمانية إلى أدنى حد، مما يدل على حسن إدارة مواردها الاقتصادية وتحقيق رفاهية مواطنيها، فضلاً عن قدرتها على سداد الديون في حال مشاركتها في استثمارات خارجية.
وفي الأشهر الأخيرة، شهدنا قيام المؤسسات الائتمانية الثلاث برفع التصنيف الائتماني للمملكة العربية السعودية إلى مستويات متقدمة. فقد رفعت "موديز" تصنيف الاقتصاد السعودي، الأكبر على مستوى العالم العربي، إلى "AA3"، بينما رفعت "فيتش" تصنيف السعودية إلى "A+"، وحذت "إس آند بي جلوبال" حذوها برفع تصنيف المملكة إلى "A+"، مما يؤكد قوة الاقتصاد السعودي وتدني المخاطر المرتبطة به. وبذلك، تكون وكالات التصنيف الدولية الكبرى قد أجمعت على الإشادة بالجدارة الائتمانية للمملكة.
وجدير بالذكر أن الدول التي تتشارك مع المملكة العربية السعودية في هذا التصنيف المرتفع تشمل الصين واليابان والكويت بحسب تصنيف "ستاندرد آند بورز"، والصين وفقاً لتصنيف "فيتش"، في حين تتشارك كل من تايوان والمملكة المتحدة وفرنسا مع المملكة في تصنيف "موديز". وتكتسب هذه التصنيفات أهمية بالغة، إذ تعزز الثقة في الاقتصاد السعودي، وتشجع الدول ومؤسساتها التجارية والحكومية على الاستثمار في المملكة، سواء من خلال إنشاء فروع للمؤسسات المالية كالبنوك، أو المؤسسات الصناعية والتعليمية وغيرها. ولا شك أن هذا الاستثمار سيسهم في تدفق المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية إلى شرايين الاقتصاد السعودي، مما يخلق الآلاف من فرص العمل للمواطنين، ويرفع مستوى دخل الفرد.
وتحظى هذه المؤسسات الثلاث الكبرى بمكانة مرموقة وثقة واسعة في المجتمع الدولي، وتُعتبر مرجعاً أساسياً عند التعامل مع الدول. فالتقييم الائتماني المنخفض لدولة ما يشير إلى حاجتها للاقتراض من الخارج، مما يزيد من أعبائها المالية بسبب الفوائد المترتبة على هذه القروض، ويعرضها للتبعية السياسية للدول المسيطرة على صناديق الإقراض للحصول على التمويل المطلوب. فالدول التي تعاني من اقتصادات هشة غالباً ما تقع تحت هيمنة الدول المانحة، وقد تضطر إلى الانصياع لسياستها من أجل الحصول على القروض.
وإذا أمعنا النظر في الأحداث السياسية المتوافقة مع تقييمات المؤسسات الثلاث الكبرى، نجد أنها تتسق تماماً مع تصريحات الدول العظمى المهيمنة على مجلس الأمن. فالرئيس الأمريكي يرى في المملكة العربية السعودية شريكاً اقتصادياً استراتيجياً للولايات المتحدة، وتؤكد زيارات رؤساء الصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا هذا التوجه. ومن المستبعد أن تتفق هذه القوى السياسية على دولة يعاني اقتصادها من الانهيار. فالعالم يولي اهتماماً خاصاً بالدول الناجحة اقتصادياً، فالنجاح الاقتصادي يؤدي إلى مزيد من النفوذ السياسي، وبالتالي تعزيز قدرة الدولة على فرض الأمن والاستقرار على أراضيها. فالفشل الاقتصادي يهدد الأمن والاستقرار السياسي.
وقد أشارت الكاتبة ليز بيك في مقال نشرته صحيفة The Hill الأمريكية إلى أن الإدارة الأمريكية تدرك تماماً مكانة المملكة العربية السعودية كحجر الزاوية في سوق الطاقة العالمي. وتساءلت عن سبب توجه المسؤولين الأمريكيين إلى السعودية لعقد اجتماعات لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، بعد أن كانت هذه الاجتماعات تعقد سابقاً في فيينا وجنيف. وأوضحت أن ذلك يعود إلى حاجة الرئيس "ترمب" إلى الجهود السعودية لحل العديد من القضايا، بما في ذلك ملف غزة. وتتوافق تصريحات الكاتبة ليز بيك مع تصريحات روسيا التي تؤكد دور المملكة العربية السعودية المحوري في حل الأزمة الروسية الأوكرانية.